شروق عوض (دبي)

يعتبر وقت تفتح أزهار شجرة «السمر» من شهر أبريل وحتى نوفمبر من كل عام، موسماً محبباً بالنسبة للكثيرين من مواطني دولة الإمارات، حيث تتميز هذه الأزهار بالرائحة الزكية والطعم اللذيذ، إضافة إلى أنها تمثل رمزاً رئيساً من رموز التراث في دولة الإمارات على وجه الخصوص، والمنطقة العربية بشكل عام، كما تأتي بعد شجرة الغاف مباشرة في قائمة الأشجار المحلية التي تنمو طبيعياً في الدولة، ويكثر نموها على امتداد التلال والسهول الحصوية، وجوانب الأودية ومنحدرات ومنبسطات الجبال على ارتفاعات متوسطة بالمناطق الشرقية من الدولة وجبل حفيت في مدينة العين.
وتعد الفترة ما بين شهري فبراير وأبريل موسماً لتساقط بذور ثمر «السمر» عن أوراقها وفرصة مناسبة للراغبين بزراعتها، وكذلك فهي من الأشجار المفيدة في مجالات التشجير وتجميل المناظر، وتسمى بشجرة المظلة نظراً لأن قمتها المنتشرة توفر مساحات كبيرة من الظل، كما تعد «السمر» من الأشجار التي تلفت نظر الزائر لهذه الأرض، تلك الشجرة التي تعاند الزمن من خلال جذوعها وأوراقها وثمارها كي تبقى شاهدة على أرض دولة الإمارات، وعشق أهلها بقصة تاريخ بدأت من أول نبتة نبتت على تلال الإمارات وسهولها وأوديتها ومنحدراتها.
وعلى مر عقود طويلة، اكتسبت أشجار «السمر» مكانة مميزة في الحياة العربية والبدوية، نظراً لقدرتها على التأقلم مع حياة الصحراء، والمميزات التي حباها بها الله لتتحمل قسوة المناخ الصحراوي، إضافة إلى تعدد الوظائف التي كانت تستخدم فيها، فـشجرة «السمر» شكلت مصدراً جيداً لعلف المواشي حيث يتوفر طوال العام حتى في فترات غياب مصادر التغذية الأخرى، وتحتوي أطرافها (قرونها) على عناصر غذائية عالية القيمة ومنها مواد غنية بالبروتين الخام، بنسبة 38% والفسفور والسعرات الحرارية التي تمد أجسام المواشي بالطاقة، كما يتم الاستفادة من أوراقها وبذورها في تحضير العلاجات والأدوية الشعبية، وهي من الأشجار المفيدة في مجالات التشجير وتجميل المناظر ويطلق عليها (شجرة المظلة) نظراً لما تنشره من مساحات كبيرة من الظل.
كما تساهم شجرة «السمر» بشكل كبير في إنتاج الأوكسجين وتلطيف جو المنطقة التي تنمو بها، وحماية التربة من الانجراف ومكافحة التصحر، وتستخدم أخشابها لصناعة أجود أنواع الفحم، وتمثل أهمية كبرى للمستهلكين والنحالين، حيث تحمل سر الشفاء والبقاء، وتعتبر مصدراً جيداً لرحيق الأزهار الذي يستخدمه نحل العسل في إنتاج أجود أنواع العسل وأطيبها مذاقاً وأغلاها سعراً، ويعتبر زيت السمر من الزيوت الفاخرة، حيث يحتوي على نسبة عالية من الزيوت النباتية غير المشبعة، بالإضافة إلى أن الجالوتانين يستخلص من قشور ثمار السمر مما يضيف قيمة وأهمية اقتصادية كبرى لهذه الشجرة نظراً لاستخداماته الطبية والصناعية الكثيرة.

مبادرات
وعلى صعيد دولة الإمارات، فلقد اهتمت بحماية كل ما يتعلق بمكونات الدولة البيئية، ولم تغفل عن التركيز على الأشجار البرية التي تنعم بها، حيث أطلقت العديد من المبادرات التي تحمي الأشجار البرية من تعرضها للانقراض، وكانت آخرها مبادرة وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع القطاع الخاص، بتوزيع نحو 1400 كيلو جرام -54 مليون بذرة تقريباً- من بذور شجر «السمر» مجاناً على أفراد الجمهور الراغبين في زراعتها، بهدف تعزيز ثقافة الزراعة والحفاظ على البيئة وزيادة أعداد هذه الأشجار المحلية ذات الأهمية الخاصة حيث تحظى بأهمية لقطاعي الزراعة وتربية النحل.
وتعتبر خطوة الوزارة هذه حالها حال الجهات المختصة في الشأن البيئي من بلديات وهيئات بيئية محلية والتي تُعنى بالمحافظة على الأشجار البرية التي تنعم بها أرض الإمارات، حيث جاءت مبادرة توزيع بذور «السمر» والمدعومة بـ»نشرات» توعوية متضمنة معلومات خاصة بمكانة أشجار السمر وفوائدها واستخداماتها وغيرها الكثير، ضمن استراتيجية الوزارة الخاصة في تحقيق استدامة الموارد الطبيعية للبيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي للبيئة المحلية وضمان الحفاظ على عناصرها وتحقيق استدامتها للكثير من الكائنات الحية التي تلجأ للاحتماء بها.

تشريعات حماية
وقالت هبة الشحي، مدير إدارة التنوع البيولوجي في وزارة التغير المناخي والبيئة في تصريحات لـ«الاتحاد»، «إن دولة الإمارات سنت القوانين والتشريعات التي تضمن المحافظة على النباتات من الأضرار التي تلحق بها نشاطات عدة والتي قد تؤثر سلباً على نموها وموتها، وعليه تم وضع العقوبات الرادعة والتي تصل إلى الغرامات المالية مع مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة»، مضيفة أن الجهات المختصة وضعت استراتيجيات ومبادرات خاصة بالمحافظة على أشجار البيئة المحلية لضمان استمرارية زراعتها للأجيال القادمة، وحددت الإجراءات والخطط التنفيذية التي تضمن تحقيق الهدف، لذلك حرصت الدولة على إكثار النباتات المحلية بالمشاتل الحكومية وغير الحكومية، وذلك لدعم مشاريع إنشاء المحميات وتشجير الطرق الخارجية ومشاريع الغابات، وزراعة النباتات المحلية من أجل تحسين البيئة وتنمية الموائل الطبيعية وحماية التوازن البيئي، والعمل على توفير الرقابة الفعالة على هذه الأشجار لضمان حمايتها من النشاطات البشرية، والتخلص من ظاهرة الحيوانات السائبة التي تعتدي على نمو هذه الأشجار، إضافة لنقل أشجار البيئة المحلية الطبيعية والمزروعة الكبيرة المتأثرة بمشاريع البنية الأساسية والخدمات ونقلها وإعادة زراعتها بمواقع جديدة.
وذكرت الشحي، أنه لطالما ارتبط رزق الإنسان الإماراتي بشجرة «السمر»، حيث كان يعتمد على الاحتطاب منها، ثم يتم تحويل بعض الحطب إلى فحم وهو ما يعرف بالسخام، الذي يباع لأجل الطهي والتدفئة في الشتاء، ويجمع عسل السمر منها والذي يعد من أهم أنواع العسل وأثمنها في الإمارات، لقدرته الشفائية، كما كان يستظل بها هروباً من حرارة الجو وأشعة الشمس.
وأكدت، أن دولة الإمارات تنمو فيها العديد من الأشجار المحلية، وتأتي أشجار «السمر» بعد «الغاف» بالمرتبة الثانية وتليها «السدر» بالمرتبة الثالثة، ومن صفاتها أنها تنمو من تلقاء نفسها، وتتغلب على الظروف الجوية، بالاعتماد على الأمطار، ومن دون تدخل الإنسان، وتنمو بألوان جذابة بين الرمال، وتكون مصدراً لعيش الحيوانات والطيور والنحل، التي تعطي حيوية للصحراء، إضافة إلى دورها في تعديل المناخ وتلطيف الجو، كما تسهم في خصوبة التربة، وتقليل الملوحة، وتبقى خضراء طوال السنة.

خطوات الزراعة
وبينت الشحي، أن عملية زراعة «السمر» من مرحلة البذور وحتى النقل إلى الحقل الدائم لها تستغرق 6 أشهر تقريباً، حيث تتطلب في البداية نقع البذور في الماء لمدة لا تقل عن 24 ساعة، ثم تزرع كل بذرتين في عبوة منفصلة (أصيص 9 سم) معبأة بمادة «بيتموس» على عمق 2 سم، ويتم تغطية البذور بمادة الـ«بيتموس» التي تشكل التربة الأولية لها، ويتم ريها بكميات ماء قليلة، وتوضع العبوات الزراعية بعد ذلك في مكان فيه إضاءة طبيعية ومظلل، وتستمر عملية ريها بكميات ماء قليلة حتى يصل نمو النبتة إلى 20 سنتيمتراً، تنقل بعدها إلى عبوة أكبر بحجم 5 لترات، وعندما يصل طولها بين 80 إلى 100 سنتيمتر توضع في عبوة 20 لتراً تحتوي على خليط من الرمل والـ«بيتموس» بنسبة 1 إلى 1 وتوضع في مكان مشمس، وعندما يصل نموها إلى 150 سنتيمتراً تنقل إلى منطقة الزراعة الدائمة لها.
وقالت الشحي، إن «السمر» من الأشجار المحلية المنخفضة مع مظلة رائعة ذات فروع متساوية الحجم تنبع من نقطة واحدة على سطح التربة وتنمو نحو الخارج بشكل متناظر في كل الاتجاهات، بزاوية 30 درجة، لتعطي شكل المخروط المقلوب والظل الطبيعي لهذه الشجرة، وهذا النوع من الأشجار ينمو في الأماكن التي تتوفر بها المياه على أعماق كبيرة، حيث تحمل جذوراً طويلة تصل إلى مخازن المياه الجوفية، ويعتمد طول الشجرة على كمية المياه التي تحصل عليها، لافتة إلى قدرة أشجار «السمر» على العيش في التربة الملحية والجبسية الصخرية، حيث إن للشجرة جذراً وتدياً عميقاً يتوغل بالتربة الرملية وقد يصل إلى نحو 35 متراً تقريباً، كما أنها تتحمل درجات حرارة عالية، وتتحمل درجات البرودة حتى التجمد ليلاً.

رائحة زكية
وبيّنت أن أشجار «السمر» تزهر بداية أبريل حتى نوفمبر من كل عام، وزهرها يكون كروي الشكل ولونها أبيض مصفر، والثمرة قرن أصفر إلى بني أملس معوج طوله حوالي 8-16 سم تقريباً، وسمكه ما بين 6-8 مم، والزهر يسمى «البرم»، ويعتبر وقت الزهور موسماً محبباً بالنسبة لكثير من الأهالي، حيث تتميز زهرة شجرة السمر بالرائحة الزكية والطعم اللذيذ وهي بيضاء تميل للاخضرار، كما تعد فرصة للنحل الذي يرعى من هذه الشجرة، وينتج منها عسلاً أحمر مائلاً إلى السواد، زكي الرائحة ويسمى عسل «البرم»، أي عسل «السمر»، ويعتبر من أغلى أنواع العسل الطبيعي لما يحتويه من قيمة غذائية، ويوصي به الأطباء للعلاج من الكثير من الأمراض ويستخدم لدعم مناعة الصغار.
ولفتت إلى أن شجرة «السمر» تعيش لقرن أو أكثر، وتتميز بقدرتها على تحمل الجفاف والملوحة، حيث تنمو بالمناطق التي يقل فيها المطر السنوي عن 40 مليمترا، وتتصف ببطء نموها حيث يصل ارتفاعها إلى حوالي 4-6 أمتار، وتحتوي على مظلة عرضها يتراوح بين 5-8 أمتار، وأفرعها ملساء بنّية محمرة الأشواك يغلب عليها اللون الأبيض وهي مستقيمة طولها حوالي من 4-7 سم، وثمرة الشجرة عبارة عن قرن لونه أصفر إلى بني أملس حلزوني طوله حوالي 7 إلى 15 سم يحتوي على 8 إلى 16 بذرة، والشجرة الناضجة يمكن أن تنتج 6 آلاف قرن في العام.